تاريخ البطاركة في الكنيسة القبطية
( القرن التاسع عشر )
( 112 )
البابا كيرلس الخامس
( 1874 - 1927 م)
المدينة الأصلية له :
تزمنت - بني سويف
الاسم قبل البطريركية :
يوحنا
الدير المتخرج منه :
البرموس
تاريخ التقدمة :
23 بابة 1591 للشهداء - أول نوفمبر 1874 للميلاد
تاريخ النياحة :
اول مسري 1643 للشهداء - 7 أغسطس 1927 للميلاد
مدة الإقامة على الكرسي :
52 سنة و9 أشهر و6 أيام
مدة خلو الكرسي :
سنة واحدة و4 أشهر و10 أيام
محل إقامة البطريرك :
المرقسية بالأزبكية
محل الدفن :
كنيسة مارمرقس بالأزبكية
الملوك المعاصرون :
إسماعيل باشا - توفيق باشا - عباس باشا الثاني - السلطان حسين - فؤاد الأول
+ كان راهباً ناسكاً قديساً بدير السيدة العذراء الشهير بالسريان بوادى النطرون ثم انتقل إلى دير البراموس وهناك رسموه قساً ثم قمصاً.
+ ذاعت فضائله من علم وحلم وتقوى، فرسم بطريركاً في 23 بابة 1591 ش.
+ ازدادت الكنيسة في عصره بالقديسين والعلماء مثل الأنبا ابرآم مطران كرسي الفيوم حبيب الفقراء،والايغومانس فيلوثاؤس ابراهيم رئيس الكنيسة المرقصية الكبري والأب العالم الجليل القمص عبد المسيح صليب البراموسى،والشماس حبيب جرجس مدير الكلية الاكليريكية
+ بذل البابا أقصى جهده في النهوض بشعبه إلى أرقى مستوى، كما اهتم بطبع الكتب الكنسية وتنيَّح بسلام بعد أن قضى على كرسي البطريركية اثنتين وخمسين سنة وتسعة أشهر وستة أيام، وذلك في اليوم الاول من شهر مسري سنة 1643 ش.
صلاته تكون معنا
آمين.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][/url]
البابا كيرلس الخامس
السيرة كما ذكرت في كتاب السنكسار
نياحة البابا القديس كيرلس الخامس بابا الإسكندرية المائة الثاني عشر (1 مسرى)
وفي مثل هذا اليوم من سنة 1643 ش (7 أغسطس سنة 1927 م) تنيَّح الأب التقي الجليل البابا كيرلس الخامس المائة والثاني عشر من باباوات الكرازة المرقسية. ولد هذا الأب في مدينة تزمنت بمحافظة بني سويف سنة 1831 م من أبوين تقيين فسمياه يوحنا وربياه أحسن تربية وأنشأه علي الآداب المسيحية وكان ذا ميل شديد إلى الدراسة في الكتاب المقدس وأخبار القديسين.
وفي سنة 1843 م رسم شماسا وهو ابن اثنتي عشرة سنة فقام بخدمة الشماسية خير قيام. ولما كان ميالا بطبعه الفطري إلى الزهد والتقشف وحب الوحدة فقد ترك العالم وقصد دير السيدة العذراء الشهير بالسريان بوادي النطرون، وهناك تتلمذ للأب الشيخ الروحي القمص جرجس الفار أب اعتراف الرهبان وعلم أبوه بمكانه فحضر إليه وأخذه ولكن حب النسك الذي كان متملكا عليه لم يدعه يلبث قليلا فعاد إلى البرية وترهب في دير البرموس سنة 1850 م.
فأحسن القيام بواجبات الرهبنة واشتهر بالنسك والعفة والحلم حتى أصبح قدوة صالحة لسائر الرهبان فرسموه قسا سنة 1851 م ثم قمصا سنة 1852 م وكان عدد الدير في ذلك الوقت قليلا جدا وإيراد الدير يكاد يكون معدوما فكان هذا الأب يكد ويجد في نسخ الكتب وتقديمها للكنائس ويصرف ثمنها علي طلبات الرهبان من أكل وكسوة وذاعت فضائله من علم وحلم وتقوي فرسم بطريركا في23 بابة سنة 1591 ش (أول نوفمبر سنة 1874 م) باحتفال مهيب فوجه عنايته إلى الاهتمام ببناء الكنائس وتجديد الأديرة والعطف علي الفقراء والعناية بشئون الرهبان. وفي سنة 1892 م فضل أن ينفي من أن يفرط في أملاك الرهبان كما نفي معه الأنبا يؤنس مطران البحيرة والمنوفية ووكيل الكرازة المرقسية وقتئذ وبعد ذلك عاد الاثنان من منفاهما بإكرام واحترام زائدين.
وقد ازدانت الكنيسة في عصره بالقديسين والعلماء: منهم الأب العظيم رجل الطهر والوداعة والإحسان الأنبا ابرآم مطران كرسي الفيوم (كتب تاريخه تحت اليوم الثالث من مسري ) هذا الحبر الذي بلغت فضائله حدا بعيدا من الذيوع والانتشار وبلغ من تناهيه في الإحسان علي الفقراء وذوى الحاجات أنه لم يكن يدخر نقودا بل كان كل ما يقدمه له أهل الخير يوزعه علي المحتاجين وله من العجائب التي أجراها في إخراج الشياطين وشفاء المرضي الشيء الكثير.
ومن العلماء الأب اللاهوتي الخطير والخطيب القدير الايغومانس فيلوثاؤس ابراهيم الطنطاوي رئيس الكنيسة المرقسية الكبرى والأب العالم الجليل والراهب الناسك الزاهد القمص عبد المسيح صليب البرموسي الذي كان ملما إلماما تاما باللغات القبطية والحبشية واليونانية والسريانية وقليل من الفرنسية والإنجليزية وقد تحلي بصبر لا يجاري في البحث والتنقيب في ثنايا الكتب الدينية فترك مؤلفات ثمينة تنطق بفضله.
وقد اتخذ البابا كيرلس المرحوم حبيب جرجس الذي كان مديرا للكية الإكليريكية شماسا له: فكرس حياته للكلية ونهض بها وساعد البابا في توسيع مبانيها بمهمشة وكان البابا يزورها ليبارك طلبتها وكان هذا الشماس واعظا قديرا رافق البابا في رحلاته إلى الصعيد والسودان وقام بترجمة الكتب الدينية من اللغات الأجنبية إلى العربية وأصدر مجلة الكرمة لنشر الحقائق الإيمانية بأسلوب إيجابي.
وألف كتبا كثيرة منها:
كتاب أسرار الكنيسة السبعة وكتاب عزاء المؤمنين وسر التقوى وغيرها وقد علم وربي أجيالا كثيرة من رجال الدين الذين نهضوا بالكنيسة وملئوا منابرها بالوعظ وإصدار المؤلفات الدينية.وقد بذل البابا البطريرك أقصي جهده في النهوض بشعبه إلى أرقي مستوي كما أهتم بطبع الكتب الكنيسة. وتنيَّح بسلام بعد أن قضي علي كرسي البطريركية اثنتين وخمسين سنة وتسعة أشهر وستة أيام .
صلاته تكون معنا
. ولربنا المجد دائما.
آمين
معلومات إضافية
ولد يوحنا في بلده تزمنت مديرية بنى سويف سنه 1824، وبعد ميلاده بفترة هاجر به أبواه من تزمنت ليستوطنا كفر سليمان الصعيدي (كفر فرج) بمديرية الشرقية ثم توفي والده وهو طفل، فتكفل به شقيقة الأكبر المعلم بطرس، ولما بلغ سن الرشد رسمه الأنبا إبرام مطران القدس شماسا، وكانت تبدو عليه دلائل التقوى والميل إلى الزهد والانقطاع عن العالم، ومحبة الكتب والقراءة، فكان يتجنت أصدقاءه الشبان ويعكف على الروحيات.
ولما بلغ العشرين من عمره أى في سنه 1844 تردد بين أمرين: إما أن ينذر نفسه لله ويعيش بتولا بين الرهبان، او يتزوج ويصبح أب أسرة، إلا أن الوازع الأول تغلب عليه، فقصد دير السريان ولكن أسرته سعت لإرجاعه ورجوه إلا يتركهمـ إلا انه ما لبث أن هرب ليعيش راهبا في دير البراموس.
وكان دير البراموس آنذاك يعانى من الفقر، وكانت إيرادته في أيدي الغير يستغلونها لأنفسهم، حتى أن رهبانه كانوا يقتاتون على الترمس الذي كان مدخراً في الأديرة منذ أيام المعلم ابراهيم الجوهري ولذلك كان عدد رهبانه قليل وصلوا إلى أربعة رهبان، اما هو فكان معهم فتتعلم أصول الفضيلة، ومن ثم اتفقت كلمتهم على ترقيته إلى درجة الكهنوت، وكتبت له ترقية ورسم قسا 1845 على يد الأنبا صرابامون أسقف المنوفية في حارة زويلة.
وبعد قليل طلبه الرهبان ليتولى إدارة شئونهم، فتسلم تدبير مجمع الرهبان بدير البراموس فنجح لأنه احتقر نفسه ليرفع الرهبان، وكان يوزع عليهم ما يكسبه من حرفة نسخ الكتب ومن هنا سمى يوحنا الناسخ، وتحسنت أحوال الدير في عهده وزاد عدد رهبانه
ولما فاح عطر سيرته الحسنة، رغبت الأمة القبطية في إحضاره إلى القاهرة وتعيينه في رتبه أعلى فلم يقبل، ولم يسمح كبار الرهبان بأنيتركهم، إلى أن استدعاه البابا ديمتويوس عام 1855 ورسمه ايغومانساليكون مساعدا له في الكاتدرائية بالأزبكية، إلا أن الرهبان في البراموس شق عليهم هذا فكتبوا يستعطفون البابا في رجوعه فأرجعه.
القمص يوحنا ودير المحرق:
ثار رهبان دير المحرق على رئيسهم القمص عبد المسيح الهورى سنه 1857 ووفدوا إلى القاهرة برئاسة القمص عبد المسيح جرجس المسعودى طالبه عزل الهورى، ولما حقق البابا كيرلس الرابع في شكواهم ووجدها بسيطة لا تستحق كل هذه الثورة، فلطم زعيمهم على وجهه وأمره بالتوجه إلى دير البراموس، فسار إلى هناك ومعه كل من القمص حنس والقمص ميساك والقمص ميخائيل الاشقاوى وغيرهم
ثم ثار رهبان نفس الدير مرة أخرى في سنه 1870 وعزلوا رئيسهم القمص بولس غبريال الدلجاوى الذي هاجر بعدها إلى دير البراموس سنه 1871 ومعه مجموعة من خلصائه القمامصة واستقبلهم هناك القمص يوحنا الناسخ، واحبهم ولم يعاملهم كضيوف أتوا ليقيموا بشكل مؤقت بل حسبهم أخوته، لهم كافة الحقوق كرهبان الدير البراموسيون، واشركهم معه في شئون الدير وتنمية موارده المادية والروحية.
حتى انه لما جاء بطريركا فيما بعد لم ينسى هؤلاء الرهبان المهاجرين، بل قدَّر أتعابهم وأفسح لهم مجال الخدمة، فجعل القمص عبد المسيح المسعودى ابا الرهبان دير البراموس، ورفع عددا منهم إلى رتبة الأسقفية.
ترشيح القمص يوحنا للبطريركية:
بعد نياحة البابا ديمتريوس اجتمع الأساقفة مع وجهاء الشعب الأرثوذكس، وقرروا تعيين مطران البحيرة ووكيل الكرازة المرقسية نائبا بطريركيا إلى أن يتفقوا على اخيار بطريرك جديد، إلا أن هذا المطران لم يقنع بهذا المنصب المؤقت بل طمع في المنصب بشكل دائم، فرشح نفسه بطريركا، ولكى يكسب عطف الشعب، شكل لهم مجلسا مليا من أربعة وعشرين عضوا واعتمده من الخديوي بقرار حكومي صدر في 29 يناير 1874.
وكان هذا المطران يخطى بثقة، بل أن وهبة الجيزاوي كبير كتاب المالية انذاك استطاع أن يقنع الخديوي بصلاحيته دون غيره للكرسي البطريركي، فاخذ إسماعيل باشا برأيه، واظهر استعداده له متى اجتمعت كلمه الأقباط عليه.
إلا أن الأساقفة برئاسة الأنبا ايساك أسقف البهسنا والفيوم زاروا وهبه بك هذا في داره، وافهموا انهم اتفقوا جميعا على ترشيح القمص حنا الناسخ البراموس بطريركا، وانهم لن يرضوا غيره بديلا، كما حملوه بلهجة شديدة مسئولية تأخير الرسامة، وما يترتب عليها من سوء العواقب تضر بالأمة القبطية وبالكنيسة والشعب، وقالوا له انه قد مات أساقفة قسقام ومنفلوط وأسيوط وقنا واسنا والخرطوم وإنهم يخشون من تأخر الرسامة أكثر من ذلك فلا يجدون فيما بعد العدد الكافي من الأساقفة لتنصيب البطريرك، وصارت مشكلة بين وهبه بك والأنبا ايساك، وما لبث أن مات وهبه بك من الحزن لما فعل، كما حزن إسماعيل باشا على وهبه بك فارجأ إصدار أمر عال بالرسامة.
الا انه في هذا الوقت كانت الكنيسة الحبشية تعانى من بعض المشاكل التي لا يمكن حلها إلا عن طريق البطريرك، لهذا وسط النجاش قنصل روسيا لكى يتدخل ويعجل برسامة بطريرك في مصر عند الباب العالى في الأستانة، وبعد أن درس الباب العالى القضية في الديوان العثمانى بالأستانة، كتب السلطان يتعجل الخديوي في سيامة البطريرك، فلم يجد إسماعيل باشا بدا من التنفيذ بان اعطى الحكومة امرا بهذا.
وعليه التمس الشعب القبطي رسامة القس يوحنا، طلب من المنام الخديوي عن طريق المجلس الملّي احضاره بمساعدة الحكومة لرسمه بطريركا، فتم ذلك، وكلفت الحكومة مدير البحيرة باحضاره، فحضر القمص يوحنا إلى القاهرة وانتخبه البطاركة والأساقفة الاعيان بطريركا للكرازة المرقسية في 23 بابة 1591، 1 نوفمبر 1874 باحتفال كبير حضره كبار رجال الامه والرؤساء الروحيون وكان ذلك في الكنيسة الكبرى في الأزبكية.
أعمال البابا كيرلس الخامس الإصلاحية:
كثرت أعماله الإصلاحية ومساعدة طبقات شعبه المحتاجة، فشيد تعوزا في كل دير من اديرة القاهرة ومصر القديمة وشيد ثلاثة عشر كنيسة بمصر والخرطوم والجيزة منها: كنيسة مارمرقس بالجيزة 1877، وكنيسة الملاك غبريال بحارة السقايين 1881، وكنيسة العذراء بالفجالة 1884، وجددت كنيسة الملاك البحرى 1895، وشيدت كنيسة العذراء بحلوان 1897 ووضع اساس كنيسة مارمرقس بالخرطوم في 27 مارس 1904، واساس مدرسة بولاق القبطية الصناعة في 25 يونية 1904، وانتظمت في عهده كنيسة الرسولية بطرس وبولس بالعباسية سنه 1912 وكنيسة الشهيدة دميانه ببولاق 1912، ومار مرقس بمصر الجديدة 1922 والعذراء بشارع مسرة بشبرا 1924 وغيرها من الكنائس.
كما بدا أيامه باستكمال الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالأزبكية، ولم يهمل اديرة الراهبات كدير أبو سيفين بمصر القديمة وديرى العذراء ومارى جرجس بحارة زويلة، كما كان يعطف على المتبتلات بهذه الاديرة ويجود عليهم من جيبه الخاص وحسن احوالهم.
أنشا تسع مدارس بالقاهرة والجيزة منها المدرسة الإكليريكية ومدرسة البنات بالأزبكية واشترى السراى الكائنه بمهمشة حيث المدرسة الإكليريكية كما اشترى خمسمائة فدان مما زاد معه ايراد البطريركية وارتفع قدر الامة القبطية في عهده، فانتشرت الحرية، واتسع نطاق العمل وعم العلم، وانشئت مدارس للرهبان.
البابا ومشكلة المجلس الملى:
وفي هذا نعتمد على ما ورد في كتاب يوسف بك منقريوس "القول اليقين في مسالة الأقباط الأرثوذكسين":
"لما ارتقى غبطة البطريرك كرسي البطريركية، وضع مع أعضاء المجلس حسب روايتهم لائحة تقضي بوجوب نظر المجلس في مصالح الكنائس واحوالها وفي المدارس والاوقاف والفقراء والاحوال الشخصية، ورسامة القسس وغير ذلك، والتمس البابا البطريرك من الحكومة التصديق على اللائحة فصدقت عليها بتاريخ 14 مايو سنه 1883، إلا أن هذه اللائحة كانت حبرا على ورق، لأن أعضاء المجلس لم يهتموا بشئ ولم يوجهوا نظرهم للاهتمام بما يستدعى جهادهم، ولبث مجلسهم ينحل شيئا فشيئاً حتى فارق الحياة.
وبعد مدة تحرك بعض أبناء الامة، فطلبوا من غبطة البطريرك تشكيل المجلس فأبى أن يجيبهم بدون تعديل اللائحة وحذف ما فيها مما يخل بالسلطة، فلم يقبلوا بل رفعوا أمرهم إلى الخديوي، وكان وقتئذ توفيق باشا، وعزموا على عقد اجتماع لإعادة الانتخاب، فكتب البابا كيرلس يحيط مجلس النظار علما بالمسألة، وطلب منع ذلك الاجتماع فمُنِع.
ثم استدعى البابا كيرلس المطارنه والأساقفة وكبار القسوس من كل الجهات وعقد بهم مجمعا اكليريكيا، اصدروا فيه قرارا يقضي بضرورة عدم تدخل احد من الشعب في تدبير امور الكنيسة ومتعلقاتها.
وحمل البابا كيرلس ونيافة الأنبا يؤانس مطران الإسكندرية هذا القرار إلى توفيق باشا ورفعاه إليه فوعد بالمساعدة، وقضى البابا بالإسكندرية مدة شهرين ما فتئ فيها أعضاء المجلس يسعون ليحققوا اغراضهم، غير انهم لما قابلوا توفيق باشا ادركوا استحالة عدم فعل شئ بدون رضاء البابا كيرلس، فاكرهوا على ملاطفته ومحاسنته، ولما رجع من الإسكندرية استقبل استقبالا فخما.
وكان المرحوم بطرس غالى باشا باوربا في أثناء هذه الحوادث، وحضر بعد ذلك فالقى إليه توفيق باشا متعالية المسالة وكلفة بحسم هذه المشاكل، فوبخ ابناء الطائفة، وارغمهم على كل الصفح من غبطة البابا، وانتهت المسالة على ما يرام، واهتم البابا بعد ذلك من تلقاء نفسه بتعليم الرهبان ونشر المعارف وتشييد المدارس في البلاد، حتى اصيب بمرض فانطلق إلى دير العريان ترويحا للنفس مدة.
وعقب ذلك تاسست جمعية التوفيق، وحررت نشرة تطلب فيها ضرورة الانفاق من ريع الاوقاف على ترقية المدارس، وتسهيل وسائط التربية العالمية لابناء الامة، فتعرض لهذه النشرة بعضهم يفندها ويكشف أغلاطها، واعقبت النشرة بنشرة أخرى طلب فيها تعيين مرتب للإكليروس القبطي اسوة بإكليروس باقى الطوائف، فأظهر الجميع موافقتهم على هذا الرأى لتاكدهم بانه سر نجاح وتقدم اكليروسنا ثم كتب نشرة أخرى بطردة اعادة تشكيل المجلس الملى قررت عليها الجمعية الأرثوذكسية واحترم الجدال بين الفريقين مدة ما.
وفي خلال تلك المناظرات استدعى بطرس باشا غالى نيافة الأنبا يؤانس مطران إسكندرية إلى القاهرة وكلفه أن يبلغ غبطة البطريرك بان الامة ترغب في انشاء مجلس ملى، فرد البابا برضاء عن تشكيل مجلس اذا عدلت اللائحة القديمة، فأبى بطرس باشا تغير اللائحة واصر البابا على طلبه، ولما كانت جمعية التوفيق قد تحدت غبطة البابا بكلام لم تضع في الاعتبار فيه مركزه الديني، كتب للديوان الخديوي بطلب منعها فلم يرد عليه، وكان بطرس باشا عازما على السفر إلى اوربا وتقابل مع الخديوي ليأخذ منه إذنا بالسفر فذكر أمامه النزاع الطائفي الحاصل، فأجابه بطرس باشا بأنه لا يمكن أن يهدأ ما لم يشكل المجلس فصدر الامر لبطرس باشا بتاخير سفره ليسعى في تشكيل المجلس.
وابلغ البابا كيرلس هذا القرار سنه وفي مساء ذلك اليوم استدعى نحو خمسمائة نفس من رجال الطائفة بدعوة موقع عليها من بطرس غالي باشا بصفة نائب مجلس الامة لاجراء انتخاب المجلس.
وفي الغد قصد بطرس غالي الدار البطريركية تتبعه عساكر البوليس ومنع الدخول إلى البطريركية وصرف التلاميذ وطرد الخدم وضبطت ابواب الدار البطريركية، فارسل البطريرك يستنجد بالمعية السنية فلم ترد عليه، والناس حيارى لا يعرفون ماذا يتم، وبعد الظهر جاءت جنود اخرى، واقبل محافظ القاهرة وطلب من غبطة البطريرك أن يقبل الرئاسة على الانتخاب فأبى، فقام المحافظ إلى المجلس المعد للانتخاب بالمدرسة الكبرى وافتتح الحفلة باسم الحفرة الفخيمة وبدأ بالانتخاب".
وحدت بعد ظهور نتائج الانتخاب أن اخطر البطريرك الخديوي بان ما حدث كان بغير ارادته ولا يوافق عليه باى حال كان، وانتهز البابا فرصة عيد الاضحى فذهب مع بعض المطارنة لتهنئته سموه بالعيد وأحاطه علما بما جرى، إلا أن الخديوي رفض مقابلتهم وأعلمهم فيما بعد عن طريق ديوانه، أن وقته لا يسمح بمناقشة البطريرك، وان كان له على احد شئ فليدفع شكواه إلى جهات الاختصاص .
اجتمع مجلس أعلى بعد أن اعترفت الحكومة بقانونية انتخابه وحاول اكتساب رضاء البطريرك او التفاهم معه فلم يوفق، فاصدر قرار برفع يد البابا عن المجلس وكافة الشئون الطائفية وعرض هذا القرار على مجلس النظار فوافق عليه في يونية 1892 وعبثاً حاول البطريرك أن يقنع الحكومة بانه المسئول الأول عن ادارة الكنيسة.
راى المجلس بعد إعفاء البطريرك من مهامه أن يقنع احد الأساقفة بقبول رئاسة المجلس وادارة البطريركية، وفاوض في ذلك الأنبا مكاريوس أسقف الخرطوم والنوبة، والأنبا ابرام أسقف الفيوم والجيزة، ولكنهما امتنعا، فاتجهوا إلى الأنبا أثناسيوس أسقف صنبو وقسقام، فسافر إليه مقار باشا عبد الشهيد وعرض عليه هذه المسئولية، فاظهر الأسقف تجاوبا مع المجلس، وبعد التفاهم على نقاط معينة عاد مقار باشا إلى القاهرة، واذاع المجلس بيانا في 26 اغسطس 1892 اعلن فيه نبأ قبول أسقف صبو لمطالب المجلس بالنيابة عن البطريرك .
فلما علم البطريرك بالخطوات التي اتخذها أسقف صبنو وانه الآن في طريقة إلى القاهرة ابرق إلى الأنبا يوساب أسقف بنى سويف وكلفة أن يقابله عند وقوف القطار في بنى سويف ويبلغه حرم البطريرك له وكذلك حرم المجمع المقدس، فنفذ الأسقف أمر البطريرك ولكن الأنبا أثناسيوس لم يعبأ بالحرم وواصل سفره إلى القاهرة وعندما وصل إلى العاصمة توجه مع مرافقته إلى البطريركية، ولكنه المواليد للبطريرك من الكهنة والخدم أوصدوا الأبواب في وجوههم ولم يمكنوهم من الدخول، فتوجه الأسقف إلى منزل عوض بك سعد الله ونزل به ضيفا إلى أن تمكن أتباعه من اقتحام البطريركية، ولكن البابا وقتئذ كان في الإسكندرية فقد عقد مجمعا من الأساقفة وكبار الكهنة وكرر قطع الأنبا أثناسيوس وحرمه.
ولما رأى أعضاء المجلس الملى أن وجود البطريرك بالإسكندرية بجانب الأنبا يؤانس مطران البحيرة ووكيل الكرازة المرقسية يعطل اجراءاتهم اجتمعوا في 31 اغسطس 1892 وشغلوا مجلسا زوجيا من القمص بشاى راعى كنيسة العذراء بحارة زويله والقمص جرجس بشاى كنيسة الدمشيرية والقمص بولس جرجس وكيل قضايا البطريركية، واتفق المجلسان الملى والروحى على إبعاد البطريرك إلى دير البراموس والأنبا يؤانس إلى دير الأنبا بولا، ورفعوا القرار إلى مجلس النظار فاقره سريعا وفي صباح الخميس أول سبتمبر 1892 توجه محافظ الإسكندرية إلى البطريرك وأعلمه بهذا الأمر فقبله البابا عن طيب خاطر ووعد بالسفر في اليوم التإلى، وهكذا كان الامر مع الأنبا يؤانس.
وفي صباح يوم الجمعه 2 سبتمبر 1892، غادر البابا المقر البطريركي بالإسكندرية وتوجه إلى قرية المطرانة من أعمال مركز كوم حماده، كما سافر في نفس الوقت الأنبا يؤانس إلى مدينة بوش ومنها إلى دير الأنبا بولا
وبعد نفي البابا إلى دير البرموس قام أعضاء المجلس الملى بمساعدة رجال الشرطة باقتحام الدار البطريركية، ومكنوا الأنبا أثناسيوس أسقف صبنو من دخولها عنوة، وفي يوم الأحد 4 سبتمبر 1892 تجاسر الأسقف ورفع السرائر المقدسة في الكاتدرائية رغم حرمه من البابا.
وقد وقعت أثناء القداس أمور غير عادية تشاءم منها الكثيرون بان انقلب الصينية فتأثر الشعب.
ولما وجد الغيورون من الشعب أن حالة الكنيسة بعد غياب البطريرك يسير من سيء إلى أسوأ قدموا عرائض استرحام إلى المقام الخديوي، واشترك معهم أساقفة الاقاليم، وبعد مقابلات مع الخديوي ومصطفي باشا فهمى ناظر النظار، اصدر الخديوي امرا خديويا في 20 يناير 1893 بعودة البابا والأنبا يؤانس
وفي يوم السبت 4 فبراير استقبلت الجماهير البطريرك في محطة العاصمة بكل الفرح والبهجة وبعد عشرة أيام من وصوله جاء بطرس باشا لزيارته ومعه الأنبا أثناسيوس والأساقفة والكهنة الذين ساعدوه واعتذروا للبابا على ما صدر منهم فصفح عنهم ومنحهم الحل والبركة ونصحهم إلا يعودوا لمثل ذلك مرة اخرى، ولما رأت الحكومة أن السلام لا يتم في الكنيسة القبطية إلا بترضية البابا والاعتراف بطاقة حقوقه كمسئول أعلى، عادت واصدرت امرا بارجاع الادارة الدينية والمالية إلى غبطته، على أن يتصرف بالطرق الودية حتى تتوحد الصفوف، إكليروساً وشعبا.
وعندما ترضت النفوس نسبيا، اتفق البابا مع بطرس باشا على تشكيل المجلس الملى للمرة الرابعة فانتخب الشعب مجلسه من أعضاء ونواب، وصدر مرسوم من الدولة باعتمادهم رسميا في أول مارس 1906، ولكن الهيئة الجديدة اخذت تضرب على النغمة القديمة، فلم ينسجم البابا معها وتنحى عن رآسة المجلس الملى وفوض لإدارة جلساته القمص بطرس عبد الملك رئيس الكتبة المرقسية الكبرى.
رحلات البابا الرعوية:
بعد أن استقرت الاوضاع تفرغ البابا لافتقاد شعبه، فقام برحلات طويله في الوجه القبلى سنه 1954 ورحل إلى أسوان، ثم زار السودان ووضع الحجر الاساسى لكنيسة مارمرقص بالخرطوم، وقام برحلة للسودان مرة أخرى سنة 1909
المؤتمر القبطي:
دعا أعيان الأقباط في الوجهين البحرى والقبلى إلى عقد مؤتمر لبحث مشاكلهم الداخلية والاجتماعية ومساواتهم مواطنيهم في كافة الحقوق الوطنية والادارية، واستقروا أن يكون في اسيوط وخشى البطريرك من وقوع فتنه طائفية يدرها الاستعمار، فكتب للانبا مكاريوس مطران اسيوط يحذره من هذا الامر، وحضَّ في كتابة على استعمال الحكمة والتروي حتى لا يحدث ما لا تُحمَد عقباه. فرد المطران بتعهده بمراقبة الموقف وعدم حدوث شيء.
واجتمع المؤتمرون في مدرسة اخوان ويصا بموافقة وزارة الداخلية، ولكى يعطوا المؤتمر صفة وطنية وضعوا في صدر القائمة صورة الخديوي عباس حلمى الثانى، وافتتح المؤتمر جلسته الأولى برئاسة بشرى بك حنا يوم الاثنين 6 مارس 1911، ثم توالت الجلسات التي تكلم فيها الاستاذ ميخائيل فانوس حيث تكلم عن سلامة الوحدة الوطنية، وكان منهم أيضاً: اخنوخ فانوس - توفيق بك دوس - مرقس حنا - مرقس فهمى - حبيب دوس، الذي طالب بوضع نظام لمجالس المديريات يكفل التعليم للجميع دون التفريق بن اتباع دين آخر.
وبعد انتهاء الاجتماعات توجه بشرى بك حنا وأعضاء لجنة المؤتمر إلى سراى عابدين وقدموا إلى السر تشريعاتى الخديوي نسخه من محاضر الجلسات لرفعها إلى الخديو، وطلبوا أن يتشرفوا بمقابلته شخصيا ليرفعوا إليه مطالبهم ولكن السر تشريعاتى أبلغتهم في 27 مارس 1911 أن صاحب العرش لا يرغب في مقابلتهم لانهم خالفوا اوامر الحكومة.
وقد حاول الاستعمار أن يستغل مطالب المؤتمر لمصالحة، وادعى أن الأقباط يشكون من الاضطهاد ولكن عقلاء الأقباط وعلى رأسهم البابا كيرلس الخامس احتاطوا لهذه اللعبة وزودوا المؤتمر به بالنصائح الوطنية الخالصة حتى يعود الاستعمار بالخسران
وما لبثت أن جاءت نورة 1919 التي شارك فيها المسيحيون وباركها البابا كيرلس الخامس وكان على اتصال مستمر بسعد باشا زغلول، وكان سعد يزوده بين الحين والآخر في البطريركية وشهد له بالوطنية وحب مصر.
البابا وإثيوبيا:
بعد نياحة الأنبا أثناسيوس مطران الحبشة 1876 طلب النجاش من البابا كيرلس الخامس رسامة مطران آخر، وأيضاً طلب بإعادة النظر في التقليد الذي كان يسمح بمطران واحد للحبشة، فقد تطلب النجاش رسامة مطران وثلاثة أساقفة، فرشم لهم البابا أربعة رهبان جعل، أولهم مطرانا لإثيوبيا والثلاثة أساقفة، فزادت من حب الأحباش له ولمصر.
البابا وزعماء مصر:
كان على علاقة ودية قوته بأقطاب السياسة في مصر وفي مقدمتهم الزعيم الوطنى سعد زغلول فكان يزوره ويدعو له بالبركة وبالتوفيق في كل خطواته، كما كان على صلة به مستمرة خاصة بعد قيام ثورة 1919، فجعل من كنائسه منابر للخطباء، وامر القساوسة أن يتعاونوا مع شيوخ الأزهر على توعية المصريين في طلب الاستقلال ووحدة وادى النيل
وعندما تشكل الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول وسفره إلى لندن في 11 ابريل 1919 لمفاوضة الإنجليز في الاستقلال، كان من بين أعضائه أربعة من وجهاء الأقباط مثل: سينوت حنا - جورج خياط - ويصا واصف - مكرم عبيد.
وقد ظل البابا مرتبطا بسعد وبالثورة حتى توفي مع سعد زغلول في نفس السنة ونفس الشهر (7 أغسطس 1927) ومات سعد زغلول في 27 من نفس الشهر، وكان البابا قد بلغ السادسة والتسعين من عمره، وزادت عليه الأمراض، وتم تجنيزه ودفنه في مقبرة البطاركة مقبرة القديس استفانوس المجاورة للكنيسة المرقسية الكبرى.
( القرن التاسع عشر )
( 112 )
البابا كيرلس الخامس
( 1874 - 1927 م)
المدينة الأصلية له :
تزمنت - بني سويف
الاسم قبل البطريركية :
يوحنا
الدير المتخرج منه :
البرموس
تاريخ التقدمة :
23 بابة 1591 للشهداء - أول نوفمبر 1874 للميلاد
تاريخ النياحة :
اول مسري 1643 للشهداء - 7 أغسطس 1927 للميلاد
مدة الإقامة على الكرسي :
52 سنة و9 أشهر و6 أيام
مدة خلو الكرسي :
سنة واحدة و4 أشهر و10 أيام
محل إقامة البطريرك :
المرقسية بالأزبكية
محل الدفن :
كنيسة مارمرقس بالأزبكية
الملوك المعاصرون :
إسماعيل باشا - توفيق باشا - عباس باشا الثاني - السلطان حسين - فؤاد الأول
+ كان راهباً ناسكاً قديساً بدير السيدة العذراء الشهير بالسريان بوادى النطرون ثم انتقل إلى دير البراموس وهناك رسموه قساً ثم قمصاً.
+ ذاعت فضائله من علم وحلم وتقوى، فرسم بطريركاً في 23 بابة 1591 ش.
+ ازدادت الكنيسة في عصره بالقديسين والعلماء مثل الأنبا ابرآم مطران كرسي الفيوم حبيب الفقراء،والايغومانس فيلوثاؤس ابراهيم رئيس الكنيسة المرقصية الكبري والأب العالم الجليل القمص عبد المسيح صليب البراموسى،والشماس حبيب جرجس مدير الكلية الاكليريكية
+ بذل البابا أقصى جهده في النهوض بشعبه إلى أرقى مستوى، كما اهتم بطبع الكتب الكنسية وتنيَّح بسلام بعد أن قضى على كرسي البطريركية اثنتين وخمسين سنة وتسعة أشهر وستة أيام، وذلك في اليوم الاول من شهر مسري سنة 1643 ش.
صلاته تكون معنا
آمين.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][/url]
البابا كيرلس الخامس
السيرة كما ذكرت في كتاب السنكسار
نياحة البابا القديس كيرلس الخامس بابا الإسكندرية المائة الثاني عشر (1 مسرى)
وفي مثل هذا اليوم من سنة 1643 ش (7 أغسطس سنة 1927 م) تنيَّح الأب التقي الجليل البابا كيرلس الخامس المائة والثاني عشر من باباوات الكرازة المرقسية. ولد هذا الأب في مدينة تزمنت بمحافظة بني سويف سنة 1831 م من أبوين تقيين فسمياه يوحنا وربياه أحسن تربية وأنشأه علي الآداب المسيحية وكان ذا ميل شديد إلى الدراسة في الكتاب المقدس وأخبار القديسين.
وفي سنة 1843 م رسم شماسا وهو ابن اثنتي عشرة سنة فقام بخدمة الشماسية خير قيام. ولما كان ميالا بطبعه الفطري إلى الزهد والتقشف وحب الوحدة فقد ترك العالم وقصد دير السيدة العذراء الشهير بالسريان بوادي النطرون، وهناك تتلمذ للأب الشيخ الروحي القمص جرجس الفار أب اعتراف الرهبان وعلم أبوه بمكانه فحضر إليه وأخذه ولكن حب النسك الذي كان متملكا عليه لم يدعه يلبث قليلا فعاد إلى البرية وترهب في دير البرموس سنة 1850 م.
فأحسن القيام بواجبات الرهبنة واشتهر بالنسك والعفة والحلم حتى أصبح قدوة صالحة لسائر الرهبان فرسموه قسا سنة 1851 م ثم قمصا سنة 1852 م وكان عدد الدير في ذلك الوقت قليلا جدا وإيراد الدير يكاد يكون معدوما فكان هذا الأب يكد ويجد في نسخ الكتب وتقديمها للكنائس ويصرف ثمنها علي طلبات الرهبان من أكل وكسوة وذاعت فضائله من علم وحلم وتقوي فرسم بطريركا في23 بابة سنة 1591 ش (أول نوفمبر سنة 1874 م) باحتفال مهيب فوجه عنايته إلى الاهتمام ببناء الكنائس وتجديد الأديرة والعطف علي الفقراء والعناية بشئون الرهبان. وفي سنة 1892 م فضل أن ينفي من أن يفرط في أملاك الرهبان كما نفي معه الأنبا يؤنس مطران البحيرة والمنوفية ووكيل الكرازة المرقسية وقتئذ وبعد ذلك عاد الاثنان من منفاهما بإكرام واحترام زائدين.
وقد ازدانت الكنيسة في عصره بالقديسين والعلماء: منهم الأب العظيم رجل الطهر والوداعة والإحسان الأنبا ابرآم مطران كرسي الفيوم (كتب تاريخه تحت اليوم الثالث من مسري ) هذا الحبر الذي بلغت فضائله حدا بعيدا من الذيوع والانتشار وبلغ من تناهيه في الإحسان علي الفقراء وذوى الحاجات أنه لم يكن يدخر نقودا بل كان كل ما يقدمه له أهل الخير يوزعه علي المحتاجين وله من العجائب التي أجراها في إخراج الشياطين وشفاء المرضي الشيء الكثير.
ومن العلماء الأب اللاهوتي الخطير والخطيب القدير الايغومانس فيلوثاؤس ابراهيم الطنطاوي رئيس الكنيسة المرقسية الكبرى والأب العالم الجليل والراهب الناسك الزاهد القمص عبد المسيح صليب البرموسي الذي كان ملما إلماما تاما باللغات القبطية والحبشية واليونانية والسريانية وقليل من الفرنسية والإنجليزية وقد تحلي بصبر لا يجاري في البحث والتنقيب في ثنايا الكتب الدينية فترك مؤلفات ثمينة تنطق بفضله.
وقد اتخذ البابا كيرلس المرحوم حبيب جرجس الذي كان مديرا للكية الإكليريكية شماسا له: فكرس حياته للكلية ونهض بها وساعد البابا في توسيع مبانيها بمهمشة وكان البابا يزورها ليبارك طلبتها وكان هذا الشماس واعظا قديرا رافق البابا في رحلاته إلى الصعيد والسودان وقام بترجمة الكتب الدينية من اللغات الأجنبية إلى العربية وأصدر مجلة الكرمة لنشر الحقائق الإيمانية بأسلوب إيجابي.
وألف كتبا كثيرة منها:
كتاب أسرار الكنيسة السبعة وكتاب عزاء المؤمنين وسر التقوى وغيرها وقد علم وربي أجيالا كثيرة من رجال الدين الذين نهضوا بالكنيسة وملئوا منابرها بالوعظ وإصدار المؤلفات الدينية.وقد بذل البابا البطريرك أقصي جهده في النهوض بشعبه إلى أرقي مستوي كما أهتم بطبع الكتب الكنيسة. وتنيَّح بسلام بعد أن قضي علي كرسي البطريركية اثنتين وخمسين سنة وتسعة أشهر وستة أيام .
صلاته تكون معنا
. ولربنا المجد دائما.
آمين
معلومات إضافية
ولد يوحنا في بلده تزمنت مديرية بنى سويف سنه 1824، وبعد ميلاده بفترة هاجر به أبواه من تزمنت ليستوطنا كفر سليمان الصعيدي (كفر فرج) بمديرية الشرقية ثم توفي والده وهو طفل، فتكفل به شقيقة الأكبر المعلم بطرس، ولما بلغ سن الرشد رسمه الأنبا إبرام مطران القدس شماسا، وكانت تبدو عليه دلائل التقوى والميل إلى الزهد والانقطاع عن العالم، ومحبة الكتب والقراءة، فكان يتجنت أصدقاءه الشبان ويعكف على الروحيات.
ولما بلغ العشرين من عمره أى في سنه 1844 تردد بين أمرين: إما أن ينذر نفسه لله ويعيش بتولا بين الرهبان، او يتزوج ويصبح أب أسرة، إلا أن الوازع الأول تغلب عليه، فقصد دير السريان ولكن أسرته سعت لإرجاعه ورجوه إلا يتركهمـ إلا انه ما لبث أن هرب ليعيش راهبا في دير البراموس.
وكان دير البراموس آنذاك يعانى من الفقر، وكانت إيرادته في أيدي الغير يستغلونها لأنفسهم، حتى أن رهبانه كانوا يقتاتون على الترمس الذي كان مدخراً في الأديرة منذ أيام المعلم ابراهيم الجوهري ولذلك كان عدد رهبانه قليل وصلوا إلى أربعة رهبان، اما هو فكان معهم فتتعلم أصول الفضيلة، ومن ثم اتفقت كلمتهم على ترقيته إلى درجة الكهنوت، وكتبت له ترقية ورسم قسا 1845 على يد الأنبا صرابامون أسقف المنوفية في حارة زويلة.
وبعد قليل طلبه الرهبان ليتولى إدارة شئونهم، فتسلم تدبير مجمع الرهبان بدير البراموس فنجح لأنه احتقر نفسه ليرفع الرهبان، وكان يوزع عليهم ما يكسبه من حرفة نسخ الكتب ومن هنا سمى يوحنا الناسخ، وتحسنت أحوال الدير في عهده وزاد عدد رهبانه
ولما فاح عطر سيرته الحسنة، رغبت الأمة القبطية في إحضاره إلى القاهرة وتعيينه في رتبه أعلى فلم يقبل، ولم يسمح كبار الرهبان بأنيتركهم، إلى أن استدعاه البابا ديمتويوس عام 1855 ورسمه ايغومانساليكون مساعدا له في الكاتدرائية بالأزبكية، إلا أن الرهبان في البراموس شق عليهم هذا فكتبوا يستعطفون البابا في رجوعه فأرجعه.
القمص يوحنا ودير المحرق:
ثار رهبان دير المحرق على رئيسهم القمص عبد المسيح الهورى سنه 1857 ووفدوا إلى القاهرة برئاسة القمص عبد المسيح جرجس المسعودى طالبه عزل الهورى، ولما حقق البابا كيرلس الرابع في شكواهم ووجدها بسيطة لا تستحق كل هذه الثورة، فلطم زعيمهم على وجهه وأمره بالتوجه إلى دير البراموس، فسار إلى هناك ومعه كل من القمص حنس والقمص ميساك والقمص ميخائيل الاشقاوى وغيرهم
ثم ثار رهبان نفس الدير مرة أخرى في سنه 1870 وعزلوا رئيسهم القمص بولس غبريال الدلجاوى الذي هاجر بعدها إلى دير البراموس سنه 1871 ومعه مجموعة من خلصائه القمامصة واستقبلهم هناك القمص يوحنا الناسخ، واحبهم ولم يعاملهم كضيوف أتوا ليقيموا بشكل مؤقت بل حسبهم أخوته، لهم كافة الحقوق كرهبان الدير البراموسيون، واشركهم معه في شئون الدير وتنمية موارده المادية والروحية.
حتى انه لما جاء بطريركا فيما بعد لم ينسى هؤلاء الرهبان المهاجرين، بل قدَّر أتعابهم وأفسح لهم مجال الخدمة، فجعل القمص عبد المسيح المسعودى ابا الرهبان دير البراموس، ورفع عددا منهم إلى رتبة الأسقفية.
ترشيح القمص يوحنا للبطريركية:
بعد نياحة البابا ديمتريوس اجتمع الأساقفة مع وجهاء الشعب الأرثوذكس، وقرروا تعيين مطران البحيرة ووكيل الكرازة المرقسية نائبا بطريركيا إلى أن يتفقوا على اخيار بطريرك جديد، إلا أن هذا المطران لم يقنع بهذا المنصب المؤقت بل طمع في المنصب بشكل دائم، فرشح نفسه بطريركا، ولكى يكسب عطف الشعب، شكل لهم مجلسا مليا من أربعة وعشرين عضوا واعتمده من الخديوي بقرار حكومي صدر في 29 يناير 1874.
وكان هذا المطران يخطى بثقة، بل أن وهبة الجيزاوي كبير كتاب المالية انذاك استطاع أن يقنع الخديوي بصلاحيته دون غيره للكرسي البطريركي، فاخذ إسماعيل باشا برأيه، واظهر استعداده له متى اجتمعت كلمه الأقباط عليه.
إلا أن الأساقفة برئاسة الأنبا ايساك أسقف البهسنا والفيوم زاروا وهبه بك هذا في داره، وافهموا انهم اتفقوا جميعا على ترشيح القمص حنا الناسخ البراموس بطريركا، وانهم لن يرضوا غيره بديلا، كما حملوه بلهجة شديدة مسئولية تأخير الرسامة، وما يترتب عليها من سوء العواقب تضر بالأمة القبطية وبالكنيسة والشعب، وقالوا له انه قد مات أساقفة قسقام ومنفلوط وأسيوط وقنا واسنا والخرطوم وإنهم يخشون من تأخر الرسامة أكثر من ذلك فلا يجدون فيما بعد العدد الكافي من الأساقفة لتنصيب البطريرك، وصارت مشكلة بين وهبه بك والأنبا ايساك، وما لبث أن مات وهبه بك من الحزن لما فعل، كما حزن إسماعيل باشا على وهبه بك فارجأ إصدار أمر عال بالرسامة.
الا انه في هذا الوقت كانت الكنيسة الحبشية تعانى من بعض المشاكل التي لا يمكن حلها إلا عن طريق البطريرك، لهذا وسط النجاش قنصل روسيا لكى يتدخل ويعجل برسامة بطريرك في مصر عند الباب العالى في الأستانة، وبعد أن درس الباب العالى القضية في الديوان العثمانى بالأستانة، كتب السلطان يتعجل الخديوي في سيامة البطريرك، فلم يجد إسماعيل باشا بدا من التنفيذ بان اعطى الحكومة امرا بهذا.
وعليه التمس الشعب القبطي رسامة القس يوحنا، طلب من المنام الخديوي عن طريق المجلس الملّي احضاره بمساعدة الحكومة لرسمه بطريركا، فتم ذلك، وكلفت الحكومة مدير البحيرة باحضاره، فحضر القمص يوحنا إلى القاهرة وانتخبه البطاركة والأساقفة الاعيان بطريركا للكرازة المرقسية في 23 بابة 1591، 1 نوفمبر 1874 باحتفال كبير حضره كبار رجال الامه والرؤساء الروحيون وكان ذلك في الكنيسة الكبرى في الأزبكية.
أعمال البابا كيرلس الخامس الإصلاحية:
كثرت أعماله الإصلاحية ومساعدة طبقات شعبه المحتاجة، فشيد تعوزا في كل دير من اديرة القاهرة ومصر القديمة وشيد ثلاثة عشر كنيسة بمصر والخرطوم والجيزة منها: كنيسة مارمرقس بالجيزة 1877، وكنيسة الملاك غبريال بحارة السقايين 1881، وكنيسة العذراء بالفجالة 1884، وجددت كنيسة الملاك البحرى 1895، وشيدت كنيسة العذراء بحلوان 1897 ووضع اساس كنيسة مارمرقس بالخرطوم في 27 مارس 1904، واساس مدرسة بولاق القبطية الصناعة في 25 يونية 1904، وانتظمت في عهده كنيسة الرسولية بطرس وبولس بالعباسية سنه 1912 وكنيسة الشهيدة دميانه ببولاق 1912، ومار مرقس بمصر الجديدة 1922 والعذراء بشارع مسرة بشبرا 1924 وغيرها من الكنائس.
كما بدا أيامه باستكمال الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالأزبكية، ولم يهمل اديرة الراهبات كدير أبو سيفين بمصر القديمة وديرى العذراء ومارى جرجس بحارة زويلة، كما كان يعطف على المتبتلات بهذه الاديرة ويجود عليهم من جيبه الخاص وحسن احوالهم.
أنشا تسع مدارس بالقاهرة والجيزة منها المدرسة الإكليريكية ومدرسة البنات بالأزبكية واشترى السراى الكائنه بمهمشة حيث المدرسة الإكليريكية كما اشترى خمسمائة فدان مما زاد معه ايراد البطريركية وارتفع قدر الامة القبطية في عهده، فانتشرت الحرية، واتسع نطاق العمل وعم العلم، وانشئت مدارس للرهبان.
البابا ومشكلة المجلس الملى:
وفي هذا نعتمد على ما ورد في كتاب يوسف بك منقريوس "القول اليقين في مسالة الأقباط الأرثوذكسين":
"لما ارتقى غبطة البطريرك كرسي البطريركية، وضع مع أعضاء المجلس حسب روايتهم لائحة تقضي بوجوب نظر المجلس في مصالح الكنائس واحوالها وفي المدارس والاوقاف والفقراء والاحوال الشخصية، ورسامة القسس وغير ذلك، والتمس البابا البطريرك من الحكومة التصديق على اللائحة فصدقت عليها بتاريخ 14 مايو سنه 1883، إلا أن هذه اللائحة كانت حبرا على ورق، لأن أعضاء المجلس لم يهتموا بشئ ولم يوجهوا نظرهم للاهتمام بما يستدعى جهادهم، ولبث مجلسهم ينحل شيئا فشيئاً حتى فارق الحياة.
وبعد مدة تحرك بعض أبناء الامة، فطلبوا من غبطة البطريرك تشكيل المجلس فأبى أن يجيبهم بدون تعديل اللائحة وحذف ما فيها مما يخل بالسلطة، فلم يقبلوا بل رفعوا أمرهم إلى الخديوي، وكان وقتئذ توفيق باشا، وعزموا على عقد اجتماع لإعادة الانتخاب، فكتب البابا كيرلس يحيط مجلس النظار علما بالمسألة، وطلب منع ذلك الاجتماع فمُنِع.
ثم استدعى البابا كيرلس المطارنه والأساقفة وكبار القسوس من كل الجهات وعقد بهم مجمعا اكليريكيا، اصدروا فيه قرارا يقضي بضرورة عدم تدخل احد من الشعب في تدبير امور الكنيسة ومتعلقاتها.
وحمل البابا كيرلس ونيافة الأنبا يؤانس مطران الإسكندرية هذا القرار إلى توفيق باشا ورفعاه إليه فوعد بالمساعدة، وقضى البابا بالإسكندرية مدة شهرين ما فتئ فيها أعضاء المجلس يسعون ليحققوا اغراضهم، غير انهم لما قابلوا توفيق باشا ادركوا استحالة عدم فعل شئ بدون رضاء البابا كيرلس، فاكرهوا على ملاطفته ومحاسنته، ولما رجع من الإسكندرية استقبل استقبالا فخما.
وكان المرحوم بطرس غالى باشا باوربا في أثناء هذه الحوادث، وحضر بعد ذلك فالقى إليه توفيق باشا متعالية المسالة وكلفة بحسم هذه المشاكل، فوبخ ابناء الطائفة، وارغمهم على كل الصفح من غبطة البابا، وانتهت المسالة على ما يرام، واهتم البابا بعد ذلك من تلقاء نفسه بتعليم الرهبان ونشر المعارف وتشييد المدارس في البلاد، حتى اصيب بمرض فانطلق إلى دير العريان ترويحا للنفس مدة.
وعقب ذلك تاسست جمعية التوفيق، وحررت نشرة تطلب فيها ضرورة الانفاق من ريع الاوقاف على ترقية المدارس، وتسهيل وسائط التربية العالمية لابناء الامة، فتعرض لهذه النشرة بعضهم يفندها ويكشف أغلاطها، واعقبت النشرة بنشرة أخرى طلب فيها تعيين مرتب للإكليروس القبطي اسوة بإكليروس باقى الطوائف، فأظهر الجميع موافقتهم على هذا الرأى لتاكدهم بانه سر نجاح وتقدم اكليروسنا ثم كتب نشرة أخرى بطردة اعادة تشكيل المجلس الملى قررت عليها الجمعية الأرثوذكسية واحترم الجدال بين الفريقين مدة ما.
وفي خلال تلك المناظرات استدعى بطرس باشا غالى نيافة الأنبا يؤانس مطران إسكندرية إلى القاهرة وكلفه أن يبلغ غبطة البطريرك بان الامة ترغب في انشاء مجلس ملى، فرد البابا برضاء عن تشكيل مجلس اذا عدلت اللائحة القديمة، فأبى بطرس باشا تغير اللائحة واصر البابا على طلبه، ولما كانت جمعية التوفيق قد تحدت غبطة البابا بكلام لم تضع في الاعتبار فيه مركزه الديني، كتب للديوان الخديوي بطلب منعها فلم يرد عليه، وكان بطرس باشا عازما على السفر إلى اوربا وتقابل مع الخديوي ليأخذ منه إذنا بالسفر فذكر أمامه النزاع الطائفي الحاصل، فأجابه بطرس باشا بأنه لا يمكن أن يهدأ ما لم يشكل المجلس فصدر الامر لبطرس باشا بتاخير سفره ليسعى في تشكيل المجلس.
وابلغ البابا كيرلس هذا القرار سنه وفي مساء ذلك اليوم استدعى نحو خمسمائة نفس من رجال الطائفة بدعوة موقع عليها من بطرس غالي باشا بصفة نائب مجلس الامة لاجراء انتخاب المجلس.
وفي الغد قصد بطرس غالي الدار البطريركية تتبعه عساكر البوليس ومنع الدخول إلى البطريركية وصرف التلاميذ وطرد الخدم وضبطت ابواب الدار البطريركية، فارسل البطريرك يستنجد بالمعية السنية فلم ترد عليه، والناس حيارى لا يعرفون ماذا يتم، وبعد الظهر جاءت جنود اخرى، واقبل محافظ القاهرة وطلب من غبطة البطريرك أن يقبل الرئاسة على الانتخاب فأبى، فقام المحافظ إلى المجلس المعد للانتخاب بالمدرسة الكبرى وافتتح الحفلة باسم الحفرة الفخيمة وبدأ بالانتخاب".
وحدت بعد ظهور نتائج الانتخاب أن اخطر البطريرك الخديوي بان ما حدث كان بغير ارادته ولا يوافق عليه باى حال كان، وانتهز البابا فرصة عيد الاضحى فذهب مع بعض المطارنة لتهنئته سموه بالعيد وأحاطه علما بما جرى، إلا أن الخديوي رفض مقابلتهم وأعلمهم فيما بعد عن طريق ديوانه، أن وقته لا يسمح بمناقشة البطريرك، وان كان له على احد شئ فليدفع شكواه إلى جهات الاختصاص .
اجتمع مجلس أعلى بعد أن اعترفت الحكومة بقانونية انتخابه وحاول اكتساب رضاء البطريرك او التفاهم معه فلم يوفق، فاصدر قرار برفع يد البابا عن المجلس وكافة الشئون الطائفية وعرض هذا القرار على مجلس النظار فوافق عليه في يونية 1892 وعبثاً حاول البطريرك أن يقنع الحكومة بانه المسئول الأول عن ادارة الكنيسة.
راى المجلس بعد إعفاء البطريرك من مهامه أن يقنع احد الأساقفة بقبول رئاسة المجلس وادارة البطريركية، وفاوض في ذلك الأنبا مكاريوس أسقف الخرطوم والنوبة، والأنبا ابرام أسقف الفيوم والجيزة، ولكنهما امتنعا، فاتجهوا إلى الأنبا أثناسيوس أسقف صنبو وقسقام، فسافر إليه مقار باشا عبد الشهيد وعرض عليه هذه المسئولية، فاظهر الأسقف تجاوبا مع المجلس، وبعد التفاهم على نقاط معينة عاد مقار باشا إلى القاهرة، واذاع المجلس بيانا في 26 اغسطس 1892 اعلن فيه نبأ قبول أسقف صبو لمطالب المجلس بالنيابة عن البطريرك .
فلما علم البطريرك بالخطوات التي اتخذها أسقف صبنو وانه الآن في طريقة إلى القاهرة ابرق إلى الأنبا يوساب أسقف بنى سويف وكلفة أن يقابله عند وقوف القطار في بنى سويف ويبلغه حرم البطريرك له وكذلك حرم المجمع المقدس، فنفذ الأسقف أمر البطريرك ولكن الأنبا أثناسيوس لم يعبأ بالحرم وواصل سفره إلى القاهرة وعندما وصل إلى العاصمة توجه مع مرافقته إلى البطريركية، ولكنه المواليد للبطريرك من الكهنة والخدم أوصدوا الأبواب في وجوههم ولم يمكنوهم من الدخول، فتوجه الأسقف إلى منزل عوض بك سعد الله ونزل به ضيفا إلى أن تمكن أتباعه من اقتحام البطريركية، ولكن البابا وقتئذ كان في الإسكندرية فقد عقد مجمعا من الأساقفة وكبار الكهنة وكرر قطع الأنبا أثناسيوس وحرمه.
ولما رأى أعضاء المجلس الملى أن وجود البطريرك بالإسكندرية بجانب الأنبا يؤانس مطران البحيرة ووكيل الكرازة المرقسية يعطل اجراءاتهم اجتمعوا في 31 اغسطس 1892 وشغلوا مجلسا زوجيا من القمص بشاى راعى كنيسة العذراء بحارة زويله والقمص جرجس بشاى كنيسة الدمشيرية والقمص بولس جرجس وكيل قضايا البطريركية، واتفق المجلسان الملى والروحى على إبعاد البطريرك إلى دير البراموس والأنبا يؤانس إلى دير الأنبا بولا، ورفعوا القرار إلى مجلس النظار فاقره سريعا وفي صباح الخميس أول سبتمبر 1892 توجه محافظ الإسكندرية إلى البطريرك وأعلمه بهذا الأمر فقبله البابا عن طيب خاطر ووعد بالسفر في اليوم التإلى، وهكذا كان الامر مع الأنبا يؤانس.
وفي صباح يوم الجمعه 2 سبتمبر 1892، غادر البابا المقر البطريركي بالإسكندرية وتوجه إلى قرية المطرانة من أعمال مركز كوم حماده، كما سافر في نفس الوقت الأنبا يؤانس إلى مدينة بوش ومنها إلى دير الأنبا بولا
وبعد نفي البابا إلى دير البرموس قام أعضاء المجلس الملى بمساعدة رجال الشرطة باقتحام الدار البطريركية، ومكنوا الأنبا أثناسيوس أسقف صبنو من دخولها عنوة، وفي يوم الأحد 4 سبتمبر 1892 تجاسر الأسقف ورفع السرائر المقدسة في الكاتدرائية رغم حرمه من البابا.
وقد وقعت أثناء القداس أمور غير عادية تشاءم منها الكثيرون بان انقلب الصينية فتأثر الشعب.
ولما وجد الغيورون من الشعب أن حالة الكنيسة بعد غياب البطريرك يسير من سيء إلى أسوأ قدموا عرائض استرحام إلى المقام الخديوي، واشترك معهم أساقفة الاقاليم، وبعد مقابلات مع الخديوي ومصطفي باشا فهمى ناظر النظار، اصدر الخديوي امرا خديويا في 20 يناير 1893 بعودة البابا والأنبا يؤانس
وفي يوم السبت 4 فبراير استقبلت الجماهير البطريرك في محطة العاصمة بكل الفرح والبهجة وبعد عشرة أيام من وصوله جاء بطرس باشا لزيارته ومعه الأنبا أثناسيوس والأساقفة والكهنة الذين ساعدوه واعتذروا للبابا على ما صدر منهم فصفح عنهم ومنحهم الحل والبركة ونصحهم إلا يعودوا لمثل ذلك مرة اخرى، ولما رأت الحكومة أن السلام لا يتم في الكنيسة القبطية إلا بترضية البابا والاعتراف بطاقة حقوقه كمسئول أعلى، عادت واصدرت امرا بارجاع الادارة الدينية والمالية إلى غبطته، على أن يتصرف بالطرق الودية حتى تتوحد الصفوف، إكليروساً وشعبا.
وعندما ترضت النفوس نسبيا، اتفق البابا مع بطرس باشا على تشكيل المجلس الملى للمرة الرابعة فانتخب الشعب مجلسه من أعضاء ونواب، وصدر مرسوم من الدولة باعتمادهم رسميا في أول مارس 1906، ولكن الهيئة الجديدة اخذت تضرب على النغمة القديمة، فلم ينسجم البابا معها وتنحى عن رآسة المجلس الملى وفوض لإدارة جلساته القمص بطرس عبد الملك رئيس الكتبة المرقسية الكبرى.
رحلات البابا الرعوية:
بعد أن استقرت الاوضاع تفرغ البابا لافتقاد شعبه، فقام برحلات طويله في الوجه القبلى سنه 1954 ورحل إلى أسوان، ثم زار السودان ووضع الحجر الاساسى لكنيسة مارمرقص بالخرطوم، وقام برحلة للسودان مرة أخرى سنة 1909
المؤتمر القبطي:
دعا أعيان الأقباط في الوجهين البحرى والقبلى إلى عقد مؤتمر لبحث مشاكلهم الداخلية والاجتماعية ومساواتهم مواطنيهم في كافة الحقوق الوطنية والادارية، واستقروا أن يكون في اسيوط وخشى البطريرك من وقوع فتنه طائفية يدرها الاستعمار، فكتب للانبا مكاريوس مطران اسيوط يحذره من هذا الامر، وحضَّ في كتابة على استعمال الحكمة والتروي حتى لا يحدث ما لا تُحمَد عقباه. فرد المطران بتعهده بمراقبة الموقف وعدم حدوث شيء.
واجتمع المؤتمرون في مدرسة اخوان ويصا بموافقة وزارة الداخلية، ولكى يعطوا المؤتمر صفة وطنية وضعوا في صدر القائمة صورة الخديوي عباس حلمى الثانى، وافتتح المؤتمر جلسته الأولى برئاسة بشرى بك حنا يوم الاثنين 6 مارس 1911، ثم توالت الجلسات التي تكلم فيها الاستاذ ميخائيل فانوس حيث تكلم عن سلامة الوحدة الوطنية، وكان منهم أيضاً: اخنوخ فانوس - توفيق بك دوس - مرقس حنا - مرقس فهمى - حبيب دوس، الذي طالب بوضع نظام لمجالس المديريات يكفل التعليم للجميع دون التفريق بن اتباع دين آخر.
وبعد انتهاء الاجتماعات توجه بشرى بك حنا وأعضاء لجنة المؤتمر إلى سراى عابدين وقدموا إلى السر تشريعاتى الخديوي نسخه من محاضر الجلسات لرفعها إلى الخديو، وطلبوا أن يتشرفوا بمقابلته شخصيا ليرفعوا إليه مطالبهم ولكن السر تشريعاتى أبلغتهم في 27 مارس 1911 أن صاحب العرش لا يرغب في مقابلتهم لانهم خالفوا اوامر الحكومة.
وقد حاول الاستعمار أن يستغل مطالب المؤتمر لمصالحة، وادعى أن الأقباط يشكون من الاضطهاد ولكن عقلاء الأقباط وعلى رأسهم البابا كيرلس الخامس احتاطوا لهذه اللعبة وزودوا المؤتمر به بالنصائح الوطنية الخالصة حتى يعود الاستعمار بالخسران
وما لبثت أن جاءت نورة 1919 التي شارك فيها المسيحيون وباركها البابا كيرلس الخامس وكان على اتصال مستمر بسعد باشا زغلول، وكان سعد يزوده بين الحين والآخر في البطريركية وشهد له بالوطنية وحب مصر.
البابا وإثيوبيا:
بعد نياحة الأنبا أثناسيوس مطران الحبشة 1876 طلب النجاش من البابا كيرلس الخامس رسامة مطران آخر، وأيضاً طلب بإعادة النظر في التقليد الذي كان يسمح بمطران واحد للحبشة، فقد تطلب النجاش رسامة مطران وثلاثة أساقفة، فرشم لهم البابا أربعة رهبان جعل، أولهم مطرانا لإثيوبيا والثلاثة أساقفة، فزادت من حب الأحباش له ولمصر.
البابا وزعماء مصر:
كان على علاقة ودية قوته بأقطاب السياسة في مصر وفي مقدمتهم الزعيم الوطنى سعد زغلول فكان يزوره ويدعو له بالبركة وبالتوفيق في كل خطواته، كما كان على صلة به مستمرة خاصة بعد قيام ثورة 1919، فجعل من كنائسه منابر للخطباء، وامر القساوسة أن يتعاونوا مع شيوخ الأزهر على توعية المصريين في طلب الاستقلال ووحدة وادى النيل
وعندما تشكل الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول وسفره إلى لندن في 11 ابريل 1919 لمفاوضة الإنجليز في الاستقلال، كان من بين أعضائه أربعة من وجهاء الأقباط مثل: سينوت حنا - جورج خياط - ويصا واصف - مكرم عبيد.
وقد ظل البابا مرتبطا بسعد وبالثورة حتى توفي مع سعد زغلول في نفس السنة ونفس الشهر (7 أغسطس 1927) ومات سعد زغلول في 27 من نفس الشهر، وكان البابا قد بلغ السادسة والتسعين من عمره، وزادت عليه الأمراض، وتم تجنيزه ودفنه في مقبرة البطاركة مقبرة القديس استفانوس المجاورة للكنيسة المرقسية الكبرى.
الإثنين 29 سبتمبر 2014, 12:51 pm من طرف stmaryAiad
» دورة المدرب المحترف المعتمد دولياً
الأربعاء 19 يونيو 2013, 12:24 pm من طرف stmaryAiad
» شهادااااااااااااااات غير صحيحة
الأحد 12 مايو 2013, 2:40 pm من طرف stmaryAiad
» مهرجان التنمية البشرية السنوى
الأربعاء 30 يناير 2013, 11:06 am من طرف stmaryAiad
» أسرار الشخصية الجذابة (سر الكاريزما و كيف اكتسبها) مع المدرب العالمى د / ميلاد موسى
الثلاثاء 20 نوفمبر 2012, 10:50 am من طرف stmaryAiad
» تفكيرك يحدد مصيرك
الأربعاء 03 أكتوبر 2012, 11:34 am من طرف stmaryAiad
» الهجرة العشوائية لأمريكا
السبت 22 سبتمبر 2012, 4:56 pm من طرف stmaryAiad
» الدورات التدريبية المدعمة لشهر سبتمبر
الخميس 06 سبتمبر 2012, 9:31 pm من طرف stmaryAiad
» بيان هام لكل الخدام
الخميس 16 أغسطس 2012, 2:42 pm من طرف stmaryAiad
» منحة شهر أغسطس
الإثنين 16 يوليو 2012, 11:30 am من طرف stmaryAiad
» دبلومة التصوير و المونتاج و الأخراج
الخميس 05 يوليو 2012, 1:18 pm من طرف stmaryAiad
» اغتنم الفرصة
الثلاثاء 26 يونيو 2012, 11:40 am من طرف stmaryAiad
» كنيسة السيدة العذراء مريم بعياد بك - شبرا
الثلاثاء 12 يونيو 2012, 1:01 pm من طرف stmaryAiad
» خدمة الكمبيوتر و التنمية البشرية
السبت 02 يونيو 2012, 1:27 pm من طرف stmaryAiad
» مفاجأااااااااااااة شهر مايو
الإثنين 07 مايو 2012, 11:25 am من طرف stmaryAiad
» ايماننا المسيحي للقمص هدرا اسحق
الثلاثاء 28 فبراير 2012, 8:17 pm من طرف samehnb
» على فكرة - فريق بازل - puzzle team
الثلاثاء 14 فبراير 2012, 10:20 pm من طرف sallymessiha
» أسئلة سريعة و مختصرة عن الأقانيم
الثلاثاء 14 فبراير 2012, 10:19 pm من طرف sallymessiha
» هز فؤادى صراخك يوما
الثلاثاء 14 فبراير 2012, 10:16 pm من طرف sallymessiha
» هل يجوز وضع الصور الدينية فى حجرة النوم ؟؟
الثلاثاء 03 يناير 2012, 9:30 pm من طرف
» يوم ميلادك
الثلاثاء 03 يناير 2012, 9:29 pm من طرف
» ( كلمة منفعة ) حياة الإيمان
الثلاثاء 03 يناير 2012, 6:14 pm من طرف
» ( كلمة منفعة ) التعبير
الثلاثاء 03 يناير 2012, 6:10 pm من طرف
» ( كلمة منفعة ) لماذا أحبوا الاستشهاد؟
الثلاثاء 03 يناير 2012, 6:06 pm من طرف
» ( كلمة منفعة ) كثرة الكلام
الثلاثاء 03 يناير 2012, 6:03 pm من طرف
» سمات الأعمار لمرحلة إعدادى (13 – 15 سنة )
الثلاثاء 03 يناير 2012, 5:05 pm من طرف
» سمات الأعمار المختلفة للأطفال (مرحلة من 9 – 12 سنة )
الثلاثاء 03 يناير 2012, 4:59 pm من طرف
» سمات الأعمار المختلفة للأطفال (مرحلة من 6 – 8 سنوات )
الثلاثاء 03 يناير 2012, 4:55 pm من طرف
» سمات الأعمار المختلفة للأطفال ( مرحلة الحضانة 3 – 5 سنوات )
الثلاثاء 03 يناير 2012, 4:51 pm من طرف
» طفل بيكلم ماما العذراء من وراء بابا يسوع - تعالو نشوف قالها ايـــة !!!
الثلاثاء 03 يناير 2012, 4:07 pm من طرف
» كيف ارضيك ؟؟؟؟؟
الثلاثاء 03 يناير 2012, 4:05 pm من طرف
» أغمضت عيوني.. وأحنيت رأسي..
الثلاثاء 03 يناير 2012, 4:03 pm من طرف
» إحـــنـا اولاد الـ♥ـــــمـسـيح
الإثنين 02 يناير 2012, 7:34 pm من طرف
» يقول الرب يسوع لك :
الإثنين 02 يناير 2012, 7:31 pm من طرف
» مثل الزارع بالصور المتحركه
الإثنين 02 يناير 2012, 7:27 pm من طرف
» ( كلمة منفعة ) الصمت
الإثنين 02 يناير 2012, 7:23 pm من طرف
» ( كلمة منفعة ) الابدية
الإثنين 02 يناير 2012, 7:19 pm من طرف
» ( كلمة منفعة ) القلب القوي
الإثنين 02 يناير 2012, 7:16 pm من طرف
» ( كلمة منفعة ) اللة والانسان
الإثنين 02 يناير 2012, 7:14 pm من طرف
» دعني أهــــرب إلــــيك
الأحد 01 يناير 2012, 6:49 pm من طرف
» ايها الرب يسوع تعالى
الأحد 01 يناير 2012, 6:45 pm من طرف
» لماذا عيد الميلاد المجيد فى يوم 7 يناير ؟؟
الأحد 01 يناير 2012, 6:41 pm من طرف
» طرق الكرازة للطفل
الأحد 01 يناير 2012, 6:36 pm من طرف
» مسئوليتك تجاه نفسك كخادم (1تيمو4:12-16)
الأحد 01 يناير 2012, 6:29 pm من طرف
» ( كلمة منفعة ) هيكل اللة
الأحد 01 يناير 2012, 6:24 pm من طرف
» ( كلمة منفعة ) المحبة تحتمل كل شئ
الأحد 01 يناير 2012, 6:20 pm من طرف
» ( كلمة منفعة ) مياة كثيرة
الأحد 01 يناير 2012, 6:10 pm من طرف
» صفات الخادم الناجح
السبت 31 ديسمبر 2011, 2:44 pm من طرف
» كيف تصنع مجرما ؟
السبت 31 ديسمبر 2011, 2:42 pm من طرف
» ( كلمة منفعة ) راحتك وراحة غيرك
السبت 31 ديسمبر 2011, 2:37 pm من طرف